فصل: قال زكريا الأنصاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} 39 وهذا إنكار عليهم لاختيارهم الأحسن لأنفسهم، وجعلهم ما يكرهون لربهم، أي من ابن عرفوا ذلك فهم كاذبون من جهتين من هذه ومن إعزائهم الملائكة للّه بأنهم بناته، تعالى عن ذلك، قال تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} الآية 20 من سورة لزخرف المارة، أي كلا، لم يشهدوا خلقهم، فلزمتهم الحجة السادسة {أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْرًا} على إرشادك ونصحك لهم {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} 40 لا يقدرون على تأديته لك، كلا لا شيء من ذلك، وإذا كنت لا تطلب منهم شيئا على تعليمهم فيكون عدم اتباعهم لك لخيرهم أمرا مذموما (والغرم أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه)، ولذلك يزهدون باتباعه، وهذه الحجة السابغة التي أخرستهم.
{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ} اللوح المحفوظ الذي فيه ما غاب عن الخلق علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} 41 منه ما فيه حتى يقولوا لا نبعث ولا نعذّب ولا نحاسب، كلا ليس عندهم ذلك وهذه حجة ثامنة داحضة لأقوالهم لا بعث ولا حساب ولا عقاب {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} برسولنا فيجتمعون في ندوتهم ويتدابرون ما يمكرون به ليتخلصوا منه، وقد أرسل رحمة إليهم مع أنهم لا يقدرون على شيء لأنا نحول دونه ونمنعهم منه ونقول {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} 42 الذين يعود عليهم مكرهم، وهذا من الإخبار بالغيب، لأن مذاكرتهم بشأن المكر به في دار الندوة وقعت بعد نزول هذه الآيات قبل الهجرة، وقد أخبره اللّه تعالى بما حاكوه بينهم فيها بوقته كما سيأتي، ولذلك ترك داره وذهب إلى الغار وأمر عليا أن ينام مكانه فيها، وهذه حجة تاسعة قامعة ما يريدون به، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ} يعتمدون عليه في الشدائد، كلا لا إله إلا اللّه لهم ولغيرهم {سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 43 به من أوثان لا تضر ولا تنفع، تنزهت ذاته المقدسة وتبرأت عن ذلك، وهذه تتمة الحجج العشر الواضحات، أفحمهم اللّه تعالى بها على لسان رسوله فلو كانوا موفقين لأذعنوا إليها واهتدوا بها ولا نوا، ولكن من سبق في علم اللّه شقاؤه فلن يرى الهدى، بل يزد قاوة وعتوا، وفضلا عن أن كلا من هذه الحجج الدامغة كافية للردع ففي كل منها توبيخ وتبكيت وتقريع، ولكن لا تغني النذر والآيات لمن ختم اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فهم لا يهتدون أبدا.
قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا يَقولوا} لشدة عنادهم وقوة عتوهم، هذا {سَحابٌ مَرْكُومٌ} 44 بعضه على بعض، وهذا جواب لقولهم {أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا} الآية 92 من سورة الإسراء في ج 1، وإذا تبين لك يا سيد الرسل حالهم هذا {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} 45 يمرتون قصفا على حين غفلة لأنهم لا بد لهم من الموت ولو بقوا إلى النفخة الأولى التي يصعق فيها كل حي على الأرض وفي السماء عدا من استثنى اللّه وذلك يوم الموت حتف الأنف والموت بالصعق {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} من اللّه تعالى: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} 46 من قبل شركائهم ولا غيرهم.
قال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذلِكَ} قبل صعقهم سينالهم في الدنيا كالقحط والأسر والجلاء والقتل، وهذه الآية أيضا من الإخبار بالغيب إذ وقع بعض ذلك في بعضهم وكله في كلهم وأشده يوم بدر فما بعده، وكان بينه وبين نزول هذه الآية سنتان، وقال بعض المفسرين أن دون هنا بمعنى وراء، وعليه يراد بالعذاب عذاب القبر، لأنه يكون وراء الموت وهو خلاف الظاهر، وتقدم ما فيه في الآية 25 من سورة نوح عليه السلام المارة {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 47 أنا سنزل فيهم عذابا قبل موتهم ولا بعده، وفي هذه الآية إشارة إلى أن فيهم من يتوقع ذلك بالفراسة، ومنهم من يعتقد صدقه فيتحقق ما يوعدهم به، ومنهم من يسمع ما وقع للأنبياء السابقين مع أممهم، فيعترفون أن محمدا رسول اللّه حقا، وأن ما يخبر به لا شك واقع، ولكنهم عنادا يصرون على الكفر وعتوا يكذبون.
قال تعالى: {وَاصْبِرْ} يا حبيبي {لِحُكْمِ رَبِّكَ} وأمهلهم على ما تراه من المشقة إلى الوقت المقدر لإعلاء كلمتك عليهم {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا} ومرأى منا لا تخفى علينا حركاتك وسكناتك، وإنا نكلؤك مما يراد بك، فلا نمكنهم أن يصلوا إليك بسوء أو يوصلوا إليك ما تكره، ومن كان بنظر الحي الذي لا يموت لا يخاف أحدا أبدا، وصلّ يا أكمل الرسل {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} 48 من مقامك ومجلسك وللصلاة، أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من «جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا كان كفارة لما بينهما».
وأخرج أبو داود والنسائي عن عاصم بن حميد قال: «سألت عائشة بأي شيء كان يفتتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبّر عشرا، وسبح عشرا، وعلل عشرا، واستغفر عشرا، وقال اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، وكان يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة».
وأخرج الترمذي عن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك».
قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أيضا في صلاتي المغرب والعشاء وصلاة التهجد {وَإِدْبارَ النُّجُومِ} 49 بعد وقت السحر إذ فيه تدبر النجوم أي يغيب ضوءها بنور الفجر عن الأبصار فقط، لأنها لا تغيب أصلا، وإنما تخفى على أناس وتظهر لآخرين، وفي القول في غيابها تجوز باعتبار المكان والقطر، وباعتبار ما نرى.
روى البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور».
هذا ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة في القرآن العظيم.
هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة والطور مكية.
{لواقع} حسن لأنه جواب الأقسام المذكورة وأحسن منه الوقف على {ماله من دافع} إن نصب {يوم تمور} بمقدّر كاذكر.
{سيرا} حسن.
{يلعبون} كاف وأكفى منه {دعا}.
{تكذبون} حسن وكذا {لا تبصرون}.
{سواء عليكم} كاف.
{تعملون} تام.
{ربهم} صالح.
{عذاب الجحيم} كاف وكذا {تعملون} و{مصفوفة} و{بحور عين}.
{بهم ذرياتهم} صالح.
{من عملهم من شيء} تام وكذا {بما كسب رهين}.
{ولا تأثيم} كاف.
{مكنون} حسن.
{من قبل ندعوه} تام لمن قرأ {إنه} بكسر الهمزة وليس بوقف لمن قرأه بفتحها.
{الرحيم} تام.
{فذكر} حسن وقيل تام وقيل كاف.
{ولا مجنون} كاف وكذا {ريب المنون} و{المتربصين} و{طاغون} و{تقوله} و{لا يؤمنون}.
{صادقين} صالح.
{والأرض} كاف وكذا {لا يوقنون} و{المسيطرون}.
{فيه} صالح وكذا {مبين} و{البنون} و{مثقلون} و{يكتبون} و{المكيدون}.
{أم لهم اله غير الله} حسن.
{يشركون} كاف وكذا {مركوم}.
{يصعقون} جائز.
{ينصرون} حسن وكذا {لا يعلمون}.
{بأعيننا} كاف.
{حين تقوم} صالح.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة والطُّور مكية ثمان أو تسع وأربعون آية كلمها ثلاثمائة واثنتا عشرة كلمة وحروفها ألف وخمسمائة حرف.
{لواقع} حسن.
{ماله من دافع} أحسن مما قبله إن نصب {يوم} بمقدر وليس بوقف إن نصب بقوله: {لواقع}.
{سيرًا} حسن على استئناف ما بعده أراد إنَّ عذاب ربك لواقع يوم تمور السماء مورًا وأكد الفعل بمصدره لرفع توهم المجاز في الفعل بفعله.
{للمكذبين} حسن إن نصب {الذين} بفعل مقدر وليس بوقف إن نصب بدلًا أو نعتًا.
{يلعبون} كاف وقيل لا يوقف عليه لأنَّ {يوم} بدل من {يومئذ} فلا يفصل بين البدل والمبدل منه بالوقف.
{دعا} أكفى مما قبله ومعناه دفعًا بعنف.
{تكذبون} كاف.
{أفسحرٌ هذا} حسن إن جعلت {أم} في تأويل بل على الانقطاع وإن جعلت متصلة لم يوقف على ما قبلها.
{لا تبصرون} كاف على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل متصلًا بما قبله وكان الوقف على {اصلوها}.
{سواء عليكم} كاف.
{تعملون} تام ولا وقف من قوله: {إنَّ المتقين} إلى {بما آتاهم ربهم} فلا يوقف على {نعيم} لأنَّ {فاكهين} حال مما قبله.
{بما آتاهم ربهم} جائز.
{عذاب الجحيم} كاف ومثله {تعلمون} إن نصب {متكئين} بمضمر وليس بوقف إن جعل حالًا مما قبله.
{مصفوفة} حسن.
{عين} تام في محل {الذين} الحركات الثلاث الرفع والنصب والجر فالرفع على أنَّه مبتدأ وجملة {ألحقنا بهم} خبر وكاف إن نصب بمقدر أي وأكرمنا الذين آمنوا وليس بوقف إن عطف على الضمير في {زوَّجناهم} أي وزوجنا الذين آمنوا ومثله في عدم الوقف على {عين} إن جر عطفًا على حور عين أي قرناهم بالحور العين وبالذين آمنوا و{أتبعناهم} عطف على {آمنوا} و{بإيمان} متعلق بقوله: {وأتبعناهم} وأغرب من وقف على {بإيمان} لأنَّ {والذين} مبتدأ وخبره {ألحقنا بهم} فإذا وقف على بإيمان كان الكلام ناقصًا لأنَّه لم يأت بخبر المبتدأ فإن قال قائل اجعل قوله: {والذين آمنوا} في موضع نصب عطفًا على الضمير في {زوَّجناهم} قيل له ذلك خطأ لأنَّه يصير المعنى وزوجنا الذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان والتأويل على غير ذلك.
{ألحقنا بهم ذرِّياتهم} حسن.
{من شيء} تام ومثله {رهين} وكذا {مما يشتهون} على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل حالًا بمعنى متنازعين.
{ولا تأثيم} كاف ومثله {مكنون} وكذا {يتسائلون}.
{مشفقين} جائز ومثله {علينا}.
{السموم} كاف على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده متصلًا وداخلًا في القول.
{ندعوه} تام لمن قرأ {انه} بكسر الهمزة وهي قراءة أهل مكة وعاصم وحمزة وأبي عمرو وابن عامر وليس بوقف لمن قرأه بفتحها وهو نافع والكسائي لأنَّ انه موضعه نصب متعلق بما قبله والمعنى لأنَّه.
{الرحيم} تام على القراءتين وأتم مما قبله.
{فذكر} جائز للابتداء بنفي ما كانوا يقولون فيه.
{ولا مجنون} كاف للابتداء بالاستفهام قال الخليل جميع ما في هذه السورة من ذكر أم فاستفهام وليست حروف عطف وذلك خمسة عشر حرفًا.
{المنون} كاف ومثله {من المتربصين} و{بهذا} و{طاغون} و{تقوله} و{لا يؤمنون} و{صادقين} و{من غير شئ} أي أم خلقوا من غير شيء حي كالجماد فلا يؤمرون ولا ينهون كالجماد.
{الخالقون} و{الأرض} و{لا يوقنون} و{المسيطرون} كلها وقوف كافية.
{يستمعون فيه} حسن لتناهي الاستفهام.
{مبين} كاف للابتداء بالاستفهام الإنكاري والتقدير بل ألهم إله وليست للإضراب المحض لأنَّه يلزم عليه المحال وهو نسبة البنات له تعالى تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
{البنون} كاف.
{أجرًا} جائز.
{مثقلون} كاف ومثله {يكتبون}.
{كيدًا} جائز.
{المكيدون} كاف.
{غير الله} حسن.
{يشركون} كاف.
{ساقطًا} ليس بوقف لأنَّ جواب الشرط لم يأت بعد وهو {يقولوا}.
{مركوم} تام ولا يوقف على يوم من {يومهم} لأنَّ هم في هذا الموضع ضمير متصل مجرور بالإضافة لم يقطع من يوم بخلاف ما تقدم في قوله: {يوم هم بارزون} في غافر و{يوم هم على النار يفتنون} في الذاريات فإنَّهما كتبا فيهما كلمتين {يوم} كلمة و{هم} كلمة كما تقدم.
{يصعقون} كاف إن نصب الظرف بمقدر وليس بوقف إن جعل بدلًا مما قبله.
{شيئا} جائز.
{ينصرون} تام.